مقاربـة إسلامية للإقتصــاد والتنميــة / الجزء الأول/ د.خالد الطراولي
منذ بداية التسعينات من القرن الخالي، تتابعت الأوساط السياسية Ùˆ الاقتصادية العالمية ÙÙŠ كتاباتها وأدبياتها الأخيرة Ù…ØØ§ÙˆÙ„Ø© التشكيك ÙÙŠ مسارات التنمية Ø§Ù„ØØ§Ù„ية Ùˆ نتائجها المرجوة [[1]]ØŒ ÙØ§Ù„تنمية Ø£Ø¶ØØª خيبة أمل لأثنى مليار من سكان العالم أو يزيد، موزعين على قرابة مائة بلد، ØÙŠØ« أن Ø§Ù„Ù…ØØ§ÙˆÙ„ات التنموية والمرتبطة خاصة بميولات وأوامر كل من صندوق النقد الدولي Ùˆ البنك العالمي، جعلت الدخل Ø§Ù„ÙØ±Ø¯ÙŠ ÙŠÙ†Ù‡Ø§Ø± ÙÙŠ هذه البلدان إلى مستويات ما قبل سنة 1990[[2]]
إن ما ÙŠØØ¯Ø« الآن ÙÙŠ هذه التجارب المدعومة أثبت أن مسار التنمية Ø§Ù„ØØ§Ù„ÙŠ أدى إلى وجود سبعة Ø£ØµÙ†Ø§Ù ÙˆØµÙØ§Øª لنمو اقتصادي غير ØØ§Ù…Ù„ Ù„Ù„Ø±ÙØ§Ù‡Ø© Ùˆ إلى بروز سلبيات Ùˆ نتائج خطيرة تهدد كيان عديد البلدان.
· نمو غير خالق للعمالة : ÙØ²ÙŠØ§Ø¯Ø© الإنتاج تزامنت مع زيادة للبطالة. ØÙŠØ« كان الارتباط الكلي أو الغالب بالسوق الخارجية تسويقا وإيرادا، مبعث هشّ لكل النسيج الاقتصادي الداخلي، وخاصة ÙÙŠ جانب قطاع التشغيل الذي شهد ÙÙŠ العديد من البقاع الساعية للنمو تطورا Ù…Ù„ÙØªØ§ ÙÙŠ بعض القطاعات كقطاع النسيج، غير أن ارتباطه باستثمارات غير قارة وبمنهجية قائمة على Ø§Ù„Ø¨ØØ« عن ينابيع Ø§Ù„Ø±Ø¨Ø Ø§Ù„Ù…Ø¶Ø§Ø¹Ù ÙˆØ¨Ø¹Ù‚Ù„ÙŠØ© التنقل دون الاستقرار، من غير تبنّ لهموم البلد المضي٠وتخطيطاته، هشّ قطاع التشغيل، وجعل نموه سرابيا ÙˆÙ„ØØ¸ÙŠØ§ ينذر بعديد الأزمات Ø§Ù„ØØ§Ø¯Ø© ÙÙŠ هذه البلدان، كما هو منتظر ØØ¯ÙˆØ«Ù‡ ÙÙŠ قطاع النسيج لعديد البلدان بعد دخول الصين ÙÙŠ إطار "Ø§Ù„Ù…Ù†Ø§ÙØ³Ø© Ø§Ù„ØØ±Ø©" وإغراق الأسواق العالمية ببضاعة زهيدة.
· نمو غير منص٠و بدون تقاسم لثمار التنمية : ÙØØ§Ù„Ø© الÙقير زادت تدهورا وأضØÙ‰ الغني أكثر ثراء وأقل Ù†ÙØ±Ø§. وتمثلت هذه Ø§Ù„ØØ§Ù„Ø© ÙÙŠ مستوى الدول أولا ØÙŠØ« تعمقت الهوة بين البلدان الغنية والÙقيرة وتعاضمت Ù…Ø³Ø§ÙØ§Øª Ø§Ù„Ù„ØØ§Ù‚ وعدد المتخلÙين. كما تزايد عدد الÙقراء داخل هذه البلدان وقل عدد الأغنياء مع Ø§Ù†ØªÙØ§Ø® ثرواتهم، ÙˆØ§Ù†ØØ¨Ø³ الثراء ÙÙŠ القلة وتواضع ØØ¬Ù… ودور Ø§Ù„ÙØ¦Ø© المتوسطة.
· نمو منزل دون ØÙ‚وق للتعبير Ùˆ المشاركة : ØÙŠØ« Ø¬ÙØ¹Ù„ خيار الديمقراطية مواجها لخيار النمو Ùˆ ليس Ø±Ø§Ø¯ÙØ§ له. وليس Ø§Ù„ØØ¯ÙŠØ« اليوم عن Ø§Ù„Ø¥ØµÙ„Ø§Ø ÙˆØ§Ù„Ø¯ÙŠÙ…Ù‚Ø±Ø§Ø·ÙŠØ© إلا اعترا٠متأخر بهذا الخلل، غير أنه شكّل من جديد تركيبة Ù…ÙØ¨Ø±ÙƒØ© ومسقطة، ÙˆÙ…ØØ§ÙˆÙ„Ø© للترقيع والإدراك، مبعثه Ù…ØµØ§Ù„Ø Ø¨Ù„Ø§Ø¯ الإرسال أكثر منه هموم بلاد المعايشة !
· نمو بدون تجذّر ثقاÙÙŠ : ÙØ§Ù„مثال التنموي Ø£ØµØ¨Ø ØªØ¬Ø±Ø¨Ø© عالمية منبتة عن واقعها الغربي Ùˆ مسقطة على مجتمعات Ùˆ عقليات متباينة. Ùهي تلتقي، إن لم تتمثل، ÙÙŠ النموذج الغالب والمهيمن اقتصادا وسياسة ÙˆØ«Ù‚Ø§ÙØ©. ÙØ£Ø¶ØÙ‰ النمو الاقتصادي Ø±Ø¯ÙŠÙØ§ لتبني النموذج الثقاÙÙŠ Ø§Ù„Ù…ØµØ§ØØ¨ له، والتخلي المتدرج عن الرداء الثقاÙÙŠ المØÙ„ÙŠ واعتباره مثبطا للتقدم Ùˆ عقبة له، Ùˆ سببا للتخل٠والÙقر.
· نمو بدون مستقبل : ØÙŠØ« غابت الأجيال القادمة عن معادلة التنمية ÙˆØ£ØµØ¨Ø Ù‡Ù… Ø§Ù„ÙØ±Ø¯ Ùˆ الجماعة Ø§Ù„Ø±ÙØ§Ù‡ÙŠØ© الآنية, مما جعل الإنسان ÙÙŠ صراع هائل Ùˆ خطير مع بيئته الطبيعية لابتزازها Ø¨Ø£ÙˆØØ´ الوسائل Ùˆ أسرعها، ÙˆØ£ØµØ¨Ø Ø§Ù„Ù†Ø¨ÙˆØ¶ المبكر والسريع لبعض الثروات والطاقات مبعث ØªÙ„Ù‡Ù ÙˆØªÙ†Ø§ÙØ³ بين الأقطاب، مما رج العديد من نماذج التنمية وبرامج الدول ومخططاتها وميزانياتها مع Ø§Ø±ØªÙØ§Ø¹ الأسعار لقلة العرض وتضخم الطلب بدخول القطب الصيني على الخط. ÙØºØ§Ø¨Øª الأجيال القادمة من معادلة Ø§Ù„Ø±ÙØ§Ù‡Ø© عند البعض، أو Ù‡Ùمّشت عند البعض الآخر.
· نمو Ù„ØØ¸ÙŠ ÙˆØ³Ø±Ø§Ø¨ÙŠ : Ùقد Ø£ØµØ¨Ø Ø¹ÙŠØ´ Ø§Ù„Ù„ØØ¸Ø© ومعايشة الØÙŠÙ† منهاجا يعيشه المستهلك ÙÙŠ Ø«Ù‚Ø§ÙØ© الأكلة السريعة والسعادة Ø§Ù„Ù„ØØ¸ÙŠØ© Ø§Ù„Ø²Ø§Ø¦ÙØ© [furtive]ØŒ ويواكبه المنتج وهو يسعى راكضا متنقلا من بلد إلى بلد، مغلقا لمصنعه هنا، دون اعتبار أو ØØ³ إنساني Ù„Ù…Ø¶Ø§Ø¹ÙØ§Øª إغلاقه، ÙˆÙØªØÙ‡ له هناك ÙÙŠ بلد آخر، شعاره وهمه Ø§Ù„Ø±Ø¨Ø Ø§Ù„Ø¢Ù†ÙŠ والمستعجل والمتضخم، ولو كان على ØØ³Ø§Ø¨ المبادئ والقيم وقوت Ø§Ù„Ø£ÙØ±Ø§Ø¯ والمجتمعات (le phénomène de délocalisation).
· نمو غير أخلاقي : وهو لعله ØØµÙŠÙ„Ø© كل ما سبق من شبهات وأمراض لهذا النمو الأعرج، ØÙŠØ« تركت القيم والمبادئ والأخلاق ميدان البيع الشراء، وتخلت عن التوجيه والإدارة والØÙ…Ù„ØŒ Ùكانت التنمية مادية خالصة تلتقي مع النمو ÙÙŠ Ù…Ùهومه الاقتصادي البسيط، ولا تتجاوزه إلى ميدان الظاهرة الإنسانية الشاملة التي يلÙها غالبا ÙˆÙÙŠ Ø§Ù„ØØ§Ù„Ø© السليمة أو المثلى، عالم القيم والأخلاق.ت
التنمية ومسلسل الهزائم
إن هذا الإطار الداكن اللون Ùˆ المتشائم لمسار التنمية لم يكن Ù…ÙØ§Ø¬Ø¦Ø© Ù„Ø£ØµØØ§Ø¨ القرار Ø§Ù„ØØ§Ù„ÙŠ ولا لمÙكري التنمية، Ùمنذ السبعينات نبه بعضهم إلى النتائج الخطيرة لهذه التوجهات التي عظمت الجوانب الإقتصادية Ùˆ التقنية Ùˆ قزَّمت الأبعاد الثقاÙية Ùˆ البنى التقليدية لهذه المجتمعات[[3]].
ÙÙÙŠ تعرضه لتاريخ التجارب التنموية ÙÙŠ العالم يورد Ù…ØØ¨ÙˆØ¨ الØÙ‚ تصنيÙÙ‡ المذهل الذي يؤكد هذه الملاØÙ‚Ø© المتواصلة Ùˆ Ø§Ù„Ø³Ø®ÙŠÙØ© وراء الØÙ„Ù… المزعوم للتنمية[[4]].
-1948 \ 1955 التصنيع مقابل التوريد هو Ù…ÙØªØ§Ø التنمية.
-1960 \ 1965 الإمساك عن التوريد خطأ Ùˆ التركيز على التصدير هو الØÙ„ الوØÙŠØ¯.
-1966 \ 1967 التصنيع وهمÙÙØŒ والÙÙ„Ø§ØØ© هي عصب التنمية.
-1967 \ 1968 ØªØØ¯ÙŠØ¯ النسل هو الأداة المثلى والأولية لمواجهة التخلÙ.
-1971 \ 1975 إن جماهير العالم الثالث لم ØªØ±Ø¨Ø Ø´ÙŠØ¦Ø§ من التنمية، لذا يجب التركيز على تقاسم ثمارها.
ويمكن أن ندعم هذا الجدول بالمطالب الجديدة التي ميزت العقدين الأخيرين :
-1980 / 1991 التركيز على ØªØØ±ÙŠØ± الأسعار Ùˆ تقزيم القطاع العمومي Ùˆ تقليص دور الدولة، ÙƒÙ…ÙØ§ØªØ Ø³ØØ±ÙŠØ© للتنمية، عبر برامج التعديل الهيكلي(PAS) التي ÙØ±Ø¶Øª على كل البلدان Ø§Ù„Ù…ØªØ®Ù„ÙØ©.
-1992 / إلى يومنا هذا، وكنتيجة مباشرة لما سبق، ÙØ¥Ù† Ø§Ù†ÙØªØ§Ø الأسواق الداخلية، ÙˆØ±ÙØ¹ الØÙˆØ§Ø¬Ø² القمرقية، وتأهيل المؤسسات الإنتاجية، والتوجه للتصدير ودخول سوق Ø§Ù„Ù…Ù†Ø§ÙØ³Ø© العالمية، يمثل الØÙ„ الأمثل للتنمية.
غير أن الأزمات الاقتصادية الخطيرة والمتلاØÙ‚Ø© التي ضربت كلاّ من المكسيك سنة 1995 وجنوب شرقي آسيا سنة 1997 وروسيا وأمريكا الجنوبية سنة 1998 وتركيا والأرجنتين لاØÙ‚ا، وعدم خروج اليابان من انكماشها وسقطتها المالية والعقارية منذ التسعينات، زعزعت الكثير من المسلمات Ùˆ القناعات النظرية Ùˆ العملية، وأثبتت Ø¥Ø®ÙØ§Ù‚ Ùˆ ÙØ´Ù„ هذا المنØÙ‰ التنموي الجديد Ùˆ المرتبط خاصة بميولات صندوق النقد الدولي Ùˆ تعليماته المشروطة. ÙØ§Ù„توجه المدعوم للتصدير، ÙˆØ§Ù„Ø§Ù†ÙØªØ§Ø غير المقيد للأسواق، Ùˆ المبالغة ÙÙŠ النتائج المرجوة من ذلك، والتي ساهم الصندوق ÙÙŠ تأكيدها Ùˆ نشرها، واعتبارها الملاذ الوØÙŠØ¯ للخروج من مستنقعات التخل٠إلى Ø±ØØ§Ø¨ النمو والازدهار، كما ÙØ¹Ù„ ÙÙŠ التجربة الشرق آسياوية، قد انهار كل بنائه وآماله. وتبعه شهر العسل الليبرالي الذي رÙÙˆÙ‘ÙØ¬ له من خلال Ù†Ø¬Ø§ØØ§Øª معدودة ومتلاشية، وسقطت النمور والتنانين ÙÙŠ انتظار دور الأسود إن كان لهذه وجود ! .
العالم إلى أين ؟
لقد Ø£ØµØ¨ØØª غاية الÙكر الاقتصادي ÙÙŠ بداية هذه الألÙية Ø§Ù„Ø¨ØØ« من جديد عن أسباب الأزمة، ÙˆØ·Ø±Ø ØªØ¬Ø§ÙˆØ²Ø§ØªÙ‡Ø§ وتجاوز الشك Ø§Ù„ØØ§Ù„ÙŠ ÙÙŠ كل نماذج التنمية المزعومة واعتماد تنظيرات جديدة لمواجهة الانكماش العالمي الذي تزايد ظهوره وتمططت أيامه، وتقلصت إن لم تنعدم ÙØªØ±Ø§Øª الانتعاش والصعود، والتي بدأت ملامØÙ‡ (الانكماش) تظهر ÙÙŠ انتكاسات البورصة المتكررة وتأرجØÙ‡Ø§ ÙÙŠ مستويات Ø¶Ø¹ÙŠÙØ© وهابطة وانهيار ثقة المستهلكين وريبة المستثمرين.
ولقد مثلت Ø·ÙØ±Ø© الاقتصاد الجديد ملجأ ØÙŠÙ†ÙŠØ§ ومخرجا ظرÙيا لهذه المعاناة، غير أن مؤشرات الهبوط والانكماش واهتزاز الثقة Ùيما ÙŠØÙ…له هذا الاقتصاد من Ø±ÙØ§Ù‡ÙŠØ© جديدة وثورة تكنولوجية عميقة، جذّر الخيبة وأكد Ø§Ù„Ø¥Ø®ÙØ§Ù‚ØŒ ØÙŠØ« Ø§ÙØªØ±Ù‚ الاقتصاد الرمزي عن الاقتصاد الواقعي ÙˆØ£ØµØ¨ØØª البورصة كازينو العصر الجديد، والموجه الأساسي لمعاقل الاستثمار، هدÙها الأساسي إثراء المساهمين على ØØ³Ø§Ø¨ المنشأة (entreprise) Ùˆ على كاهل العامل Ùˆ دون Ø±Ø£ÙØ© واعتبار للإطار الاجتماعي والأسري الذي يتنزل Ùيه الإنتاج. Ùكانت إلى ØÙŠÙ†ØŒ Ùقاقيع Ø§Ù„Ø§Ø±ØªÙØ§Ø¹Ø§Øª المهولة والخيالية لبعض شركات الإنترنت والتكنولوجيا (start-up)ØŒ وظن الكثير أن عصر الثراء السريع والسهل قد ØÙ„Ù‘ دون غش أو ربا أو استغلال، ÙØ§Ù„بورصة Ø§Ø³ØªØ´Ø±ÙØª طورا اقتصاديا جديدا وتقدما تكنولوجيا يلامس كل الاقتصادات، وازدهارا سو٠يعم كل الطبقات وكل المجتمعات، ويكون Ø§Ù„Ø±Ø¨Ø Ø¹Ø§Ù…Ø§ وشاملا !!! لكن سرعان ما Ù†Ùلت الزمام، ÙˆØ§Ù†ÙØ¬Ø±Øª Ùقاعة Ø§Ù„Ø§Ø±ØªÙØ§Ø¹ الخيالي Ùˆ نزل الستار الأسود مرة أخرى، ووقع Ø§Ù„Ù…ØØ¸ÙˆØ± وانهارت البورصة وتبعتها الخسائر والإÙلاس ÙˆØ§Ù„Ø§Ù†ØªØØ§Ø±Ø§ØªØŒ خاصة عند المساهمين الصغار الذين لم ÙŠÙقهوا قواعد اللعبة، ودخل الاقتصاد الواقعي وعالمَي الإنتاج والاستهلاك ÙÙŠ ÙØªØ±Ø© خو٠وريبة، مما جعل العالم يلج دوامة Ø§Ù„Ø§Ù†ØØ³Ø§Ø± ودورة جديدة من الانكماش، مدعومة بوضع سياسي عالمي غامض وخطير.
ـ يتبع ـ