حوار مطول للدكتور خالد الطراولي مع "التونسية"

الأيادي المرتعشة لا تبني دولــــــــــة هل عاش التونسيون الحداثة حتى تُسلب منهم؟
التونسية (تونس) هو من المفكرين الذين يعتقدون ان «المشروع الأخلاقي هو الحل» وانه مهما كانت التعقيدات التي تواجهها البلاد على كل المستويات تبقى المصلحة العليا للوطن هي الهدف والمعيار. فالسياسة بالنسبة له اخلاق او لا تكون. «هذه هي القاعدة الذهبية ـ حسب رأيه ـ التي يمكن ان تحمل النجاعة والفاعلية لكل عمل سياسي والتي قد تكشف –بقراءة عكسية للامور- ان غياب هذا المشروع ادى بالضرورة الى انعدام ثقة المواطن التونسي في الخطاب السياسي وفي كل المنظومة السياسية حكومة ومعارضة».
«التونسية» لمعرفة رؤية هذا المفكر التقته في هذا الحوار. هو الدكتور خالد الطراولي حاصل على الإجازة في العلوم الاقتصادية من تونس والحائز على شهادة الدراسات المعمقة في مقارنة الايديولوجيات من فرنسا وهو ايضا حاصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة باريس, وهو أيضا مؤسس مشارك ومدير تحرير مجلة «مرايا» رئيس القسم الاقتصادي لمجلة «رؤى» الباريسية سابقا ومؤسس مشارك ورئيس القسم العربي لمجلة «أجيال» سابقا وهو عضو مؤسس لمنتدى «اقتصاد المستقبل» بباريس. له كتابات في المجلات والصحف والمواقع الالكترونية في الفكر السياسي والاقتصادي ونشر 3كتب باللغة العربية «الديمقراطية ورحلة الشتاء والصيف» عن «مركز الحضارة العربية» بالقاهرة و«حدّث مواطن قال» و«رؤى في الاقتصاد الاسلامي» عن دار الكلمة القاهرة,وكتابين باللغة الفرنسية من منشورات «مرايا» باريس، تحت عنوان «الإسلام والإيكولوجيا» و«المفهوم الإسلامي للتنمية»...
بعد كل هذا التجاذب الذي طرحه مفهوم الشرعية هل يمكن ان نقول ان بلادنا بحاجة لمفهوم الفاعلية والنجاعة ثم الشرعية؟
ـ مفهوم الشرعية لا يتعارض مع النجاعة والفاعلية والجدوى، الشرعية اطارها قانوني وسياسي واضح في حين ان الفاعلية والنجاعة يحملها اطار الممارسة والفعل المباشر. ان بلادنا في حاجة للنجاعة والفاعلية التي توفرها لهما الشرعية وهي في حاجة الى الشرعية التي تزيدها النجاعة والفاعلية تماسكا وتواصلا سليما
العديد من السياسيين يعتبرون ان هناك «سقوطا اخلاقيا» للحكومة وأن التمسك بالشرعية هو صياغة جديدة للدكتاتورية؟
ـ لم افهم من اي باب وزاوية يلمس هؤلاء السياسيون هذا السقوط الأخلاقي للحكومة وهذا ليس دفاعا عنها فقد نقدتها ونقدت عديد المظاهر السلبية حكومة ومعارضة ومجلسا تأسيسيا، ولكن النظرة الفردية او الحزبية الضيقة لا يجب ان تغيّب النظرة الموضوعية، ويجب ان يكون النقد بناء على اساس «نقيّم لنقوّم ونطرح البديل». بودّي ان اعرف مناطق السقوط الأخلاقي هذه حتى نناقشها، شعارنا في ذلك «للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت». أما القول بأن التمسك بالشرعية هو صياغة جديدة للدكتاتورية، فاسمحا لي أن أذكّر أن هذه الشرعية هي وليدة فعل سياسي قانوني اسمه الانتخابات وهي اعلى مراتب الممارسة الديمقراطية، فكيف يكون التمسك بهذه الآلية التي تنتج الشرعية صياغة جديدة للدكتاتورية؟
ما تعليقكم على ما يقال عن افتقاد لشخصية رجل الدولة وحلول عقلية رئيس الحزب ؟
ـ الجواب نسبي الى حد كبير فشخصية رجل الدولة لا تعني القوة الغاشمة أو الاستبداد والجور، وقد كان رجل الدولة في اطار الاستبداد يجمع بين الموالاة حد الانبطاح والامتيازات حد الفساد، فلم يجمع الاستبداد رجال دولة أبدا ولكن قطعانا تستظل تحت عرشه وتخاف ظله. أما الآن فإن محدودية التجربة السياسية عند الكثيرين وهي نتيجة موضوعية للتصحر السياسي الذي فرضه الاستبداد، جعلت البعض يعجز عن التخلص من قيادة جماعة إلى قيادة شعب وأنا أفرق بين الشدة والحزم وبين المرونة والتسيب.
حسب رأيك هل هناك اجندة خارجية متدخلة تقرر مصير الشأن السياسي في تونس وتوجه ارادة الشعب من خلف حجاب؟
ـ الإجابات متعددة حسب المرجعية ودرجة الوعي والحسابات السياسية. الفايسبوك يتحدث عن حكومات ظل والبعض يوافقه، «الثوريون» وأشباههم يقولون كذلك، أطياف أخرى تعتبرها نكتة وسخافة وجواب المعتل، واذا أردتما ملامسة جوابي فأقول لكما العملية تتطلب جمعا وطرحا وسنجد الجواب.
ماهي ملاحظاتكم وقراءاتكم لكل خطابات علي العريض؟
ـ تاريخ الرجل النضالي لا يزايد عليه أحد كما هو تاريخ بعض المعارضين، جديته في العمل كذلك كما هو بعض المعارضين ولا مزايدة في هذا الباب. لكن السياسة خيارات وقراءات لواقع متحرك وإجابات، أصاب السيد العريض في بعض وأخطأ في بعض آخر, التردد والتلكؤ مازالا عنواني الحكومات المتعاقبة بعد الثورة وهنا مربط الفرس وسأستعمل هنا كلمة ولكنها تبقى الأفضل: الأيادي المرتعشة لا تبني دولة وكذلك العقول المترددة لا تبني مسارا سليما. بعد 3000سنة حضارة هل سحب بساطة الحداثة من تحت اقدام التونسيين خاصة في ظل وجود علامات انحلال مؤسسات الدولة وظهور مليشيات حماية الثورة ولجان حماية المواطن وتواتر المعلومات الاستخباراتية؟ ـ اسمحا لي أن أجيب بسؤال: وهل عاش التونسيون هذه الحداثة حتى يُسحَبَ بساطها؟ ثم هات «نفرّكو الرمانة»، ماذا نعني بـ 3000 سنة حضارة؟ وما هي هذه الحضارة؟ والله كم اود ان استمع لملخص لكل هذه المراحل الحضارية التي عاشتها تونس في القديم، وملخص لحداثتها المسلوبة هذه الأيام.
كسياسي كيف قرأت خطاب العريض وموقف «النهضة» ككل من السلطة وهل ترى أن «النهضة» مقتنعة باستقالة حكومتها؟
ـ هناك تردد واضح في موقف حركة «النهضة» وهذا يعود حسب نظري الى مسائل داخلية يؤدي خروجها الى العلن الى تعدد الرؤى تصل الى حد التناقض وهذا ليس سليما ولا يؤدي حقيقة الى وضوح الرؤية في تسيير البلاد وطمأنة الناس، وحتى باب المناورة والحنكة السياسية التي تحدث عنه البعض مرفوض إن صحّ لأن الأمر خطير والوضع حساس ولا يتطلب شيطنة ولا دهاء ولكن وضوحا وحسما وحزما. و«حركة اللقاء» في هذا الباب تعتبر أن غياب الحزم والحسم أفقدا الدولة هيبتها والقانون علويته.
المعارضة تتحدث عن تعيينات نهضوية بالمناصب الحساسة ... للدولة هل هو استعداد للانتخابات القادمة؟
ـ كل شيء وارد ان صحّ الخبر، ولكن اسمحا لي ان أفتح بابا مهما في العمل السياسي بصفة عامة وهو باب منسي في عالم السياسة وهو المسألة الأخلاقية و«حركة اللقاء» التي أرأسها والتي شعارها «المشروع الأخلاقي هو الحل» تعتبر السياسة أخلاقا أو لا تكون ومن هذا المنطلق الجوهري يمكن الإجابة المبدئية عن سؤالك وعلى كل الأسئلة التي تشير إلى غياب الأخلاق في العمل السياسي، البحث عن الكفاءة هو من أخلاق السياسة، تغليب مصلحة البلاد على مصالح الشخص والحزب هو من الأخلاق السياسية كما نفهمها في حركة «اللقاء».
كيف تقيمون العفو التشريعي المتواصل في ظل توارد بعض التحاليل السياسية القائلة بأن المساجين سيكونون جزءا مضمونا من الانتخابات القادمة في ظل تراجع شعبية «الترويكا»؟
ـ لا أتصور ولو افترضنا خروج كل السجناء من سجونهم أنهم سيغيرون المعادلة السياسية اليوم. ولكن وكما اقترحنا سابقا في «حركة اللقاء» يجب مراجعة منظومة العفو جذريا على أساس العدل والإنصاف وتفهّم خصوصية المرحلة.
في اعتقادك من يحرك زرّ الارهاب في تونس ؟ومن له المصلحة في ذلك؟
ـ اسألوا الشعب التونسي فهو لا تغيب عنه غائبة، ولكن لا أتصور أن تونس لا تعبرها مصالح خاصة وعامة، اجندات داخلية وخارجية، حسابات سياسية واقتصادية، ويزيده تضخما أو يولد وجوده وانتشاره في ظل وضع سياسي واقتصادي مكلوم، وتديّن منقوص وعلم مغشوش في البعض منه
حسب تقييمك الشخصي كيف تعامل الاعلام اليوم مع الملفات الحارقة في ظل كل هذا الاحتقان ؟وهل هو اهل لحرية التعبير؟
ـ الإعلام في تونس لا يخرج عن حقيقة بسيطة ليست حكرا على تونس، هناك اعلام موضوعي وهناك اعلام وضيع، هناك «صحف المجاري» وهناك صحف الجدية والعمل المسؤول، لا يجب أن تنسوا أن السلطة الرابعة تنصّب رؤساء وتطيح بآخرين وانظروا ما وقع في مصر، واليوم مَن مَلك الإعلام ملك كل شيء، ولذلك فمسؤوليته كبيرة جدا ولا تحتمل الهواية أو اللعب بالنار، فحذار.
ماذا بقي من «درة المتوسط» وهل نطمع باسترجاع البعض من بريقها في العالم بعد ان وصمت بعار «جهاد النكاح» والتدخل في الشؤون الاجنبية والمشاركة في المذبحة السورية؟
ـ كل ما ذكرتماه لا يحمل الحقيقة التي لا تشوبها شائبة، بعض الكلام مرده اشاعات بغيضة ومفبركة كذب وافتراء على تونس ونسائها الفاضلات، أنا أستهجن كل دافع حزبي أو شخصي أو ايديولوجي يقدم مصلحته على مصلحة البلاد و على حساب تشويه صورتها بوعي أو بغير وعي، وأنتم الصحافيون تحملون مشكورين مسؤولية كبيرة في الحفاظ على الصورة المشرقة لتونس وتنقيتها من الطفيليات.
كيف ترون مستقبل المشهد السياسي في ظل كل هذه الاحداث الراهنة ؟هل يتواصل الحلم بالعدالة الاجتماعية والكرامة ؟
ـ الثورة حلم يتحقق وأمل يخض الأحلام، الثورة لم تكتمل أو لم تبدأ أو ولدت ميتة، بين هذه الثلاثية الحائرة يكمن الجواب، الثورة قطيعة مع ما سبق وبناء على بياض دون تشفّ أو اجرام، قطيعة لعلها لم تحدث وندفع اليوم ثمنها باهظا...لكني أصارحكما بأنني متفائل نعم انا متفائل. لأن الشعب التونسي شعب صبور وعيّاش و«اشتدي ازمة تنفرجي»، قارنا بيننا وبين الآخرين! وحتى لايكون حديثي «ورجعت فرحا مسرورا» فإن سلامة المشهد ونجاح تونس مرتبطان بوعي نخبتها السياسية بخطورة المرحلة بتغليب المصلحة العليا على حساب مصالح حزبية أو شخصية فانية فالكل مار وسيغيب وتبقى تونس للجميع.
اليوم نلاحظ على بعض صفحات التواصل الاجتماعي حنينا لعهد بن علي واسترجاعا لأيامه الآمنة هل هي علامة فشل الثورة ؟
ـ أنا لم ألاحظ ذلك بالشكل الذي يصبح ظاهرة ولكنه تعبير عند البعض عن رداءة الوضع الحالي وصيحة فزع عالية لعل السلطة والمعارضة يفقهان دورهما وخطورة الوضع. لا أتصور ان الشعب التونسي سوف ينسى الاستبداد وما حمله من قمع للحرية وتفقير لجهات عدة للبلاد. لا تنظروا الى حي النصر مع احترامنا لساكنيه ولكن لا تبتعدوا كثيرا وانظروا الى الحزام الأحمر حول العاصمة في بعض الأحياء الشعبية وما نالها من تفقير وتحقير. تلك ايام الاستبداد ولا أظن الشعب التونسي الذي دفع الثمن دماء وجروح لتجاوزها، يحنّ الى اللون الأحمر الذي تدثر به طوال سنين جمر مريعة. إذا فشلت الثورة لا قدر الله والبعض يتمنى ذلك فانظروا ناحية رجال النخبة وليس ناحية الشعب فهم يحملون على عاتقهم هذه المسؤولية التاريخية الكبيرة. اسمحا لي أن أقول أن الشعب التونسي وهذا الذي يهمنا همه بسيط ومطلبه بسيط ولا يريد الخوض في بعض المسائل التي تملأها صالونات الشاي لبعض النخب، ان الشعب التونسي يريد أن يعيش حرّا بلا فوضى وعدم احترام القانون، أن يمشي في الشارع مطمئنا آمنا دون أوساخ أو اعتداء، وأن يوفر له ولأهله عيشا كريما، ياكل ويشرب ويعيش مطمئنا.
ماهي رسالتكم للحكومة وللمعارضة وللرباعي الراعي للحوار؟
ـ لا تنسوا الشعب، لا تكونوا في واد والجماهير في واد آخر، إن السلطة كما أفهمها ليست كراسي وامتيازات ولكن خدمة الناس، اجعلوا السلطة في أيديكم لا في قلوبكم، فتهلكون وتهلكوا شعوبكم.